قاعدة معلومات اسرائيلية سرية تكشف المدى الكامل للاستيطان اليهودي

القدس / شبكة اصدقاء غزة الاخبارية/ نشرت صحيفة 'هآرتس' الاسرائيلية اليوم الجمعة تقريراً مفصلاً عن المدى الهائل للاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية الذي يعتبر كله غير قانوني بموجب القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة وقراراتها. واستندت الصحيفة في تقريرها الى قاعدة معلومات سرية انشأتها وزارة الدفاع الاسرائيلية. وقالت الصحيفة: 'قبل أربع سنوات فقط، قررت المؤسسة الدفاعية القيام بمهمة تبدو ابتدائية: انشاء قاعدة بيانات شاملة للمستوطنات. وتم تعيين البريغادير جنرال (احتياط) باروخ شبيغل، مساعد وزير الدفاع في ذلك الوقت شاؤول موفاز، مسؤولا عن هذا المشروع. ولأكثر من عامين، شرع شبيغل في جمع معلوماته بشكل منهجي، وكان مصدر تلك المعلومات الادارة المدنية في شكل رئيسي. وكانت الحاجة الى معلومات موثوقة يسهل الوصول اليها لتكون جاهزة لمواجهة التحركات القانونية من جانب سكان فلسطينيين ومنظمات لحقوق الانسان وحركات يسارية تعترض على مشروعية البناء في المستوطنات واستخدام الأراضي الخاصة لاقامتها او توسيعها السبب الرئيسي للمباشرة في اعداد قاعدة المعلومات هذه. وقد وصفت المعلومات التي جمعت، بعد عناء، بأنها ديناميت سياسي.

واصرت المؤسسة الدفاعية برئاسة وزير الدفاع ايهود باراك على عدم نشر الأرقام، وادعت ان النشر قد يهدد أمن الدولة او يضر بالعلاقات الخارجية لاسرائيل. والشخص الذي كان من المفروض ان يكون مهتما بشكل خاص بالمعلومات التي جمعها شبيغل هو جورج ميتشيل، مبعوث الرئيس الاميركي باراك اوباما الخاص الى الشرق الأوسط، والذي وصل الى اسرائيل هذا الاسبوع في اول زيارة له منذ تعيينه. وكان ميتشيل هو الذي وضع تقرير عام 2001 ادى الى صياغة خطة خريطة الطريق التي وازت بين وقف الارهاب ووقف البناء في المستوطنات.

وحصلت 'هآرتس' اخيراً على قاعدة البيانات الرسمية الأكثر شمولا من نوعها التي يتم جمعها في اسرائيل حول الاراضي الفلسطينية. وللمرة الاولى تم كشف معلومات كانت الدولة العبرية تحاول اخفاءها لسنوات. ويكشف تحليل للمعلومات انه في الغالبية العظمى من المستوطنات – نحو 75 في المئة – فان بناء المستوطنات، واحيانا على نطاق كبير، كان ينفذ بدون تراخيص ملائمة وأحيانا بشكل مخالف للتراخيص الصادرة. وتظهر قاعدة البيانات ايضا انه في اكثر من 30 مستوطنة نفِذ بناء مكثف للمباني والبنى التحتية (الطرق والمدارس والكنس والمدراس الدينية وحتى مراكز الشرطة) على اراض خاصة تعود ملكيتها لفلسطينيين من سكان الضفة الغربية.

ويجب التشديد على ان المعلومات لا تشير فقط الى المواقع الاستيطانية العشوائية (التي تضمن تقرير مشهور للقاضية تاليا ساسون نشر في آذار (مارس) 2005 معلومات عنها)، وانما بقلب المؤسسة الاستيطانية، ومن بينها مستوطنات ايديولوجية قديمة مثل 'الون شفوت' (اقيمت عام 1970 ويسكنها حاليا 3291 مستوطنا من بينهم الحاخام يوئيل بن نون) و'عوفرا' (اقيمت عام 1975 ويسكنها 2708 مستوطنين من بينهم الناطق السابق باسم مجلس المستوطنين يهوشواع مور يوسف) و'بيت ايل' (اقيمت عام 1977 وعدد سكانها 5308 من بينهم حاجاي بن ارتسي، شقيق سارة نتانياهو). ومن بينها ايضا مستوطنات كبيرة بنيت بشكل رئيسي لدوافع اقتصادية، مثل مدينة 'موديعين عيليت' (اقيمت عام 1990 ويسكنها حاليا 36282 مستوطنا) و'جبعات زئيف' القريبة من القدس( اقيمت عام 1983 وعدد سكانها 11139) ومستوطنات صغيرة مثل 'نوكديم' قرب 'حيروديم' (اقيمت عام 1982 وفيها 851 مستوطنا، من بينهم عضو الكنيست افيغدور ليبرمان).

ولا تتوافق المعلومات التي احتوت عليها قاعدة البيانات مع الموقف الرسمي للدولة، مثلما عرضه – على سبيل المثال – الموقع الاليكتروني لوزارة الخارجية الذي ينص على ان 'الاجراءات الاسرائيلية المتعلقة باستخدام وتخصيص الاراضي الخاضعة لادارتها تتخذ مع اهتمام صارم بقواعد ومعايير القانون الدولي – واسرائيل لا تصادر اراضي خاصة لبناء مستوطنات'. وبما انه في الكثير من المستوطنات، كانت الحكومة نفسها - وفي شكل اساسي عن طريق وزارة البناء والاسكان - هي المسؤولة عن البناء، وبما ان العديد من انتهاكات البناء تتضمن البنى التحتية والطرق والمباني العامة وما الى ذلك، فان المعلومات الرسمية تشير الى مسؤولية حكومية عن تخطيط غير مقيد ونقص في فرض الأنظمة في المناطق. ويشهد حجم المخالفات ايضا على الأداء الضعيف للادارة المدنية، الهيئة المكلفة بالاشراف على البناء الاستيطاني في الاراضي الفلسطينية.

وبحسب معطيات 2008 من المكتب الاسرائيلي المركزي للاحصاء، فان نحو 290000 يهودي يعيشون في 120 مستوطنة رسمية وعشرات من المواقع الاستيطانية التي اقيمت في انحاء الضفة الغربية خلال السنوات الـ41 الماضية.

يقول المدير العام لمجلس 'ييشا' للمستوطنات الاسرائيلية بنحاس والرشتاين الذي يعتبر من الشخصيات الاساسية في مشروع المستوطنات 'لا شيء يجري في الخفاء. ولا علم لدي بأي خطط بناء لم تكن بمبادرة من الحكومة الاسرائيلية'. ويقول ايضا: 'اذا كانت هناك شكاوى لدى مالكي الاراضي الخاصة التي اقيمت عليها مستوطنات واذا اقرت المحكمة الاستماع اليها، عندها لا بد من نقل المباني الى مواقع اخرى. هذا هو موقف المجلس طوال السنوات الماضية'.

ولا يمكن التعرف على ذلك بمجرد القيام بجولة في عدد من المستوطنات التي شهدت عمليات بناء واسعة فوق اراض فلسطينية ذات ملكية خاصة. فالبلدات كلها التي اقيمت من دون تصريح او على اراضي ملكية خاصة اصبحت جزءا لا يتجزأ من المستوطنات. وعندما تجد ان مكاتب بلدية او مراكز للشرطة والاطفاء قد اقيمت وتعمل على اراض تعود للفلسطينيين يزيد الوضع سوءًا.

في شارع 'ميشكنوت حاروعيم' بمستوطنة 'كوشاف ياكوف' كانت أم شابة تحمل طفليها الى منزلهم، تقول 'لقد عشت هنا لست سنوات'، وتفاجأت عندما قيل لها ان الحي باكمله اقيم على اراض فلسطينية ذات ملكية خاصة. 'اعرف ان هناك بعض المناطق الصغيرة في المنطقة التي يجري النزاع عليها، ولكني لم اسمع قط ان هذه ارض ملكية خاصة'. فهل كانت ستقوم ببناء مسكنها فوق هذه الارض لو كانت تعرف منذ البداية ذلك؟ تجيب على ذلك بقولها 'لا. لا يمكنني ان اطرد اي شخص من مسكنه'.

وليس بعيدا عنها وفي باحة واسعة للمقطورات اقيمت ايضا فوق اراضي ملكية خاصة، كان شابان حديثا الزواج يسيران في اتجاه موقف الحافلات، الشاب أهارون 21 عاما وزوجته اليشيفا 19 عاما. يتقن الاثنان الحديث بالعبرية رغم انهما ترعرعا في الولايات المتحدة واستقرا نهائيا في اسرائيل قبل اشهر قليلة بعد ان اكمل أهارون الخدمة العسكرية في وحدة 'ناحال' التي تعرف بتشددها الديني. اما الان فانه يدرس علوم الكومبيوتر في القدس. وقد سئلا عن سبب اختيارهما العيش في هذا المكان من بين الاماكن الاخرى، فكان الرد ان هناك ثلاث اولويات: انه قريب من القدس، رخيص وفي المناطق (الفلسطينية).

يدفع الزوجان 550 شيكلا في الشهر كايجار الى سكرتارية المستوطنة. وباعتبار انهما من المهاجرين الجدد، فانهما لا يدفعان ضريبة البلدية التي تعرف بـ 'أرنونا'. لم يبد على أهارون اي انزعاج عندما قيل له ان موقع مقطورته يقوم على اراضي ملكية خاصة. فهذا امر لا يثير اهتمامه. ويقول 'لا يهمني ماذا تقول الدولة، لكن تقول التوراة ان كل اراضي اسرائيل هي اراضينا'. وعند سؤاله وماذا سيحصل في ما اذا طلب منهما الانتقال الى اراض ليست ذات ملكية خاصة؟ يجيب من دون تردد 'ننتقل'.

يظل باروخ شبيغل، رغم مرور اكثر من عامين على انتهاء عمله الرسمي، مخلصا للمؤسسة الرسمية. وذكر اكثر من مرة انه وقع اتفاقا ينص على الكتمان، وبالتالي فانه لا يستطيع الكشف عن تفاصيل العمل الذي كان مسؤولا عنه. اذ كان شاؤول موفاز قد عينه للتعامل مع عدد من القضايا التي التزمت بها اسرائيل تجاه الولايات المتحدة، ومنها تحسين ظروف الفلسطينيين الذين تأثرت حياتهم سلبا بسبب الحواجز والاشراف على الجنود الاسرائيليين في نقاط التفتيش.

وكان مراسل 'هآرتس' عاموس هاريل قد كشف قبل عامين ان المهمة الرئيسية التي انيطت بشبيغل كانت تشكيل قاعدة بيانات عن مشروع المستوطنات والمحافظة عليها. وقد برز هذا الامر بعد ان حصلت الولايات المتحدة الاميركية وفريق مراقبة المستوطنات 'السلام الان' على معلومات اكثر دقة عن بناء مستوطنات مقارنة بما لدى المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، التي كانت تعتمد في تنسيقها على مفتشي الادارة المدنية. وكانت قاعدة البيانات القديمة تحتوي على الكثير من الهفوات، لأسباب اهمها انها كانت نتيجة اغفال المؤسسة العسكرية الاسرائيلية عن معرفة ما يجري في هذا المجال.